قصة إنسانية
بقلم… منال الأخرس
في الحجرة المخيفة ذات الهواء الخانق والديكور الذي يأخذنا لأجواء العصور الوسطى التي لا نعرفها – لكن تصفها لنا كتب التاريخ- هي شيطانية الصنع فادحة القبح لما لا وقد أشرف على تشطيبها إبليس وأعوانه فهنا رسوم دموية لحيوانات مفترسة ، بجوارها بقايا حقيقية لذات الحيوانات ، معلق فوقها سيوف وأدوات حرب عتيقة ملوثة بالدماء . وسط كل ذلك يجلس مرتديا ملابس مسرفة في الزركشة . حول عنقه إكسسوارات بها أحجار كريمة وغير كريمة ، أنياب حيوانات ، قرون ماعز وخراف ، أمامه دائرة لا تخفت نيرانها المتأججة أبدا ، ينعشها من وقت لآخر بحفنة من الملح الممزوج بحبوب شتى وأشياء ملونة لا أعرفها ، كلما قذف بها صعدت ألسنة النار بنشاط ينم عن البهجة . اقتربت -سيدة يملؤها الغضب – منه ، سكبت في أذنه همسا لم يمهلها أن تكمله ، زجها بعيدا عنه ، قال : يرضيك أن أبعد عنها كل الرجال ؟ قالت : لكنها جميلة جدا ولن يبتعدوا عنها ابدا . نهرها بعنف : ليس لك شأن فكل من يحاول التقرب منها ستنهال عليه لعناتي التي لا ينجو منها أحد ؛ وإن تمسك بها فسوف يصاب بمصائب لا حل لها .. ابتسمت ورمت في حجره لفات من النقود وقطع ذهبية ، تركته وانصرفت .. لم تمض أيام قليلة حتى علمت أن الرجل قتل على إثر مشاجرة بينه وبين اثنين من ضحاياه . تعجبت السيدة كيف يحدث ذلك وهو المحصن وهو الذى يحصن الجميع ويأتيه الضعفاء سائلين منه القوة والحماية !! كيف لا يحمي نفسه من مشاجرة !! أين قواه الخارقة إذن ؟؟ غلبها النوم ، رأت في منامها أن ابنها وقع في هوى تلك الفتاة التي عملت من أجلها ما عملت .. فأصابه ما لا يخطر ببالها وما لا يمكن رفعه عنه ؛ نار تنهش جسده ، لا أحد بجواره إلا تلك الفتاة ، كلما اقتربت منه لتزيح عنه ما أصابه اشتدت النيران اشتعالا ، ترى الأم آلامه تزداد ، ظل الابن يصرخ ويصرخ .. .. أيقظتها الصرخات من نومها العميق ، قامت يملؤها الفزع ،ينتفض جسدها هلعا ولما لا وهي التي تتحقق رؤاها دوما . بعد دقائق من هدوئها الذي عززه سفر ابنها وأنه متزوج منذ بضع سنين بعد قصة حب . حاولت أن تطرد من قلبها الخوف لتدخل في نوم عميق مرة أخرى إلا أن طرقات الباب أصابتها بالرعب ، تحسست الطريق نحو الباب على إثر انقطاع التيار الكهربائي ، كان الطريق طويل ، كانت الخطوات ثقيلة ، قلبها ينبض بشدة يريد أن يتركها ويقفز من هذا القفص الذي لا يضم إلا الغل والحقد والكراهية والقسوة .. اشتدت الطرقات مما حفزها على نهر الطارق فإذا بولدها المهاجر يناديها : “افتحي يا أمي ” تقدمت وفتحت لكنها ظلت واقفة خلف الباب تريده أن يكون حصنا لها مما رأت وتريد أن يعاود ابنها السفر إلى حيث كان ، لم تقبل عليه قبلاتا وعناقا وهو الذي هاجر منذ خمسة عشرة عاما ، كلما حاولت الإقبال عليه تصور لها شبحا تلتهمه النار وسط هذا الظلام الدامس ، يحاول ولدها أن يجدها وسط الظلام لكنه يفشل ، سقطت من طولها ، راحت في غيبوبة ؛ كلما فاقت تتذكر ما حدث وتعود لغيبوبتها مرة أخرى ..